عون: التراكمات الطويلة الأمد أوصلت لبنان إلى الوضع الحالي
أمل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من المجلس النيابي الجديد الذي سينبثق من الانتخابات النيابية، أن يكون “على حجم آمال اللبنانيين، ويقوم النواب الجدد بعملهم كاملا لجهة مراقبة عمل الحكومة، والقيام بالتشريع اللازم لضمان وضع لبنان على درب التعافي المالي والاقتصادي، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية يكمل خارطة الطريق التي وضعناها والكفيلة بإنهاء الوضع الصعب الذي نعيشه جميعا”، مشيرا الى انه “على المجلس مسؤولية مواكبة نقل لبنان إلى مرحلة أخرى عبر إقراره الكثير من التشريعات التي تساعد على وضع أسس صالحة لاقتصاد منتج ودائم، واستراتيجية مالية تحفظ حقوق اللبنانيين وأموالهم، والأهم محاسبة كل من ارتكب الجرائم المالية وأوصل البلاد والشعب إلى هذا الواقع المأزوم”.
كلام رئيس الجمهورية جاء في حديث خاص أدلى به الى وكالة الأنباء القطرية “قنا”، حيث أعرب عن أسفه “لعدم تأمين التمثيل اللازم للمغتربين اللبنانيين في المجلس النيابي”، معبرا عن أمله في “أن يتم هذا الأمر اعتبارا من الانتخابات المقبلة”، ومبديا في الوقت نفسه سروره بسبب “تمكن لبنان من إقرار قانون انتخابي في العام 2018 أخذ في الاعتبار ضرورة اعتماد النسبية، ولو أنه ليس على قدر الطموحات، إلا أنه أفضل بكثير من القانون القديم الذي كان سائدا، والذي اقترع اللبنانيون على أساسه لعقود من الزمن، مع كل شوائبه وعدم صحة تمثيله لكل شرائح المجتمع اللبناني”.
وشدد على أن “القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية وضعت خطة محكمة لضمان أمن الانتخابات النيابية التي ستجرى يوم غد الأحد، ومن أجل عدم حصول إشكالات كبيرة قد تؤدي إلى إرجاء أو عدم حصول عمليات الاقتراع”.
وأوضح أن “الانتخابات النيابية للبنانيين في دول الانتشار التي جرت يومي الجمعة والأحد الماضيين، أظهرت أمرين مهمين: الأول سقوط الادعاءات والاتهامات الزائفة التي وجهت إلينا بالعمل على تعطيل أو عرقلة إجراء الانتخابات النيابية، علما أنني حرصت شخصيا ومنذ تسلمي مهامي الرئاسية، على تذليل كل الصعوبات أمام الاستحقاقات الانتخابية وكنت الأكثر إصرارا على احترام مواعيدها الدستورية. أما الأمر الثاني فكان حماسة اللبنانيين المنتشرين في الخارج للمشاركة في هذا الاستحقاق الدستوري، ورغبتهم في إسماع صوتهم للجميع بأنهم لم ينسوا بلدهم ويرغبون في المشاركة في نهوضه واستعادة عافيته وحضوره”.
وتوجه بالتحية الى “كل من ساهم في إنجاز المرحلة الأولى من الانتخابات، على الرغم من كل الصعوبات والظروف غير المسبوقة التي فرضت نفسها، وهذا الأمر مؤشر إلى أن المرحلة الثانية التي سينتخب فيها المقيمون، ستكون على غرار سابقتها ناجحة، لينبثق منها مجلس نيابي جديد نأمل أن يلبي تطلعات اللبنانيين وطموحهم أينما كانوا داخل الوطن وخارجه”.
الأزمة الاقتصادية
وعن الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمر بها لبنان، قال: “ليس خفيا حجم الأزمة الكبيرة التي يعاني منها لبنان على الصعيدين المالي والاقتصادي”، مؤكدا قناعته بأن “الاتفاق مع صندوق النقد الدولي هو بداية المسيرة نحو التعافي والخروج من هذه الأزمة”.
ورأى أن “التراكمات الطويلة الأمد أوصلت لبنان إلى الوضع الحالي، إضافة إلى الاعتماد على الاقتصاد الريعي وليس المنتج، وعدم وضع القوانين الكافية لتفعيل الرقابة والحد من الهدر والفساد، كلها عوامل تضافرت لتلقي بثقلها على كاهل اللبنانيين”.
أضاف: “إن حل الأزمة يتطلب اليوم برنامجا إصلاحيا شاملا وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي من خلال إرساء سياسات وإصلاحات فعالة لإنعاش الاقتصاد، وإعادة بناء الثقة، والدعم الواسع من جميع الأطراف، واعتراف صريح بالخسائر الواقعة في النظام المالي والموافقة على طرق معالجتها”.
وكشف أن “هدف الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي ليس فقط الحصول على مبلغ ثلاثة مليارات دولار، ولا أي مبلغ آخر، بمقدار ما هو وضع خريطة طريق صالحة لرؤية مستقبلية اقتصادية ومالية صالحة تؤمن الاستقرار على هذين المستويين وتسمح للبنانيين بالتعافي والاطمئنان إلى مستقبل واعد”، وقال: “الحكومة اللبنانية وضعت خطة أطلقت عليها اسم خطة التعافي الاقتصادي، وفيها كل ما يجب القيام به من أجل تخطي الوضع الحالي، عبر تدابير قد تكون قاسية، إنما ضرورية، ولا يجب أن ننسى أن المشكلة هي حصيلة تراكمات بلغ عمرها عشرات السنوات”.
وحول إمكانية خروج لبنان من الأزمة بعد تصنيف البنك الدولي لأزمته من بين الأسوأ منذ القرن التاسع عشر، قال: “لا تكمن المشكلة في ما إذا كان لبنان قادرا على الوقوف على قدميه من جديد، بل في المدة الزمنية لهذا الأمر”، مضيفا: “اختبر لبنان خلال تاريخه القديم والمعاصر مشاكل بالغة التعقيد هددت كيانه وهويته ووجوده، وهو أمر أدركه اللبنانيون الذين باتوا أكثر وعيا لمعرفة عدم جدوى الدخول في مواجهات ومشاكل تقضي عليهم جميعا”. وأعرب عن إيمانه ب”قدرة اللبنانيين على تجاوز كل الصعوبات، مهما كان حجمها وخطورتها، ولكن عامل الوقت لا يصب في مصلحتنا، وقد عملنا وشجعنا على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها كإحدى الطرق الديمقراطية المطلوبة كي يعبر الناس عن رؤيتهم ومطلبهم خلال السنوات المقبلة”.
العراقيل
وردا على سؤال حول العراقيل التي واجهته في مسار تنفيذ الإصلاحات، قال رئيس الجمهورية: “هناك مثل يقول: اليد الواحدة لا تصفق، وقد واجهت للأسف، الكثير من العراقيل من قبل بعض المستفيدين لإبقاء الوضع على ما هو عليه في لبنان، بعيدا عن أي محاسبة أو إصلاح. وما كان يجب إنجازه بسرعة كبيرة، تطلب سنوات للقيام به، على غرار مسألة التدقيق المحاسبي الجنائي الذي تم إقراره مع وقف التنفيذ قبل أن أعمل من جديد على تحريك عجلته، وهو لا يستهدف مؤسسة بذاتها، بل ينطلق من مصرف لبنان ليشمل كل المؤسسات والإدارات العامة، لأنه لا يجب إغفال حقيقة أن أموالا قد تم تهريبها خارج لبنان في ظرف عصيب على اللبنانيين، ويجب معرفة من قام بذلك ومن سهل وشارك في هذه المؤامرة على الشعب”.
أضاف: “نعم، هناك أناس مرتكبون ولكنهم يتلقون الحماية من نافذين في الحياة اللبنانية، إلا أنني لم أستسلم ولن أيأس، وسأستمر في العمل على تحقيق الأهداف في هذا السياق حتى بعد انتهاء ولايتي الرئاسية، لأنني مؤمن بأن الإصلاحات التي أنادي بها لا تصب في مصلحة فئة من اللبنانيين من دون أخرى، وأنها الدرب السليم للوصول إلى التعافي وتجاوز المحن التي نعيشها، كما من شأنها إعادة الثقة بين المواطن والدولة بعد أن فقدت خلال العقود الأخيرة من الزمن”.
وقال: “سأعمل خلال ما تبقى من ولايتي الرئاسية على تحقيق ما ناديت به، وفي حال لم يتسع الوقت لذلك، أكون على الأقل قد تركت خريطة طريق يمكن لمن سيخلفني الاقتداء بها لينقل لبنان من حالة إلى أخرى”.
وشدد على ان “اللبنانيين لا يعرفون اليأس، وهم ليسوا بوارد التعرف إليه حاليا، وبالتالي فإنهم يملكون قرارهم بأنفسهم، ويقيني أنهم سيعملون على تجاوز الأزمة الراهنة، إنما يجب توفير الأجواء المناسبة لذلك،
في ظل الانتقادات التي توجه من الخارج حول تواجد السلاح بأيدي الأحزاب اللبنانية”، قال رئيس الجمهورية: “إن معالجة قضية بهذا الحجم، تتطلب توافقا شاملا من قبل كل الأطراف اللبنانية لأن انعكاس المسألة يطاول الجميع من دون استثناء، كما أن مسألة الاستراتيجية الدفاعية لا يمكن تبنيها وتطبيقها من قبل طرف واحد”. أضاف: “طرحت سابقا على الأطراف اللبنانية رؤيتي الموضوعية للوصول إلى أرضية صالحة للنقاش حول موضوع السلاح وكيفية مواجهة التهديدات والأطماع الإسرائيلية خصوصا في ظل التفوق الإسرائيلي في ميزان القوى من ناحية السلاح”.
وفي هذا السياق، أوضح أنه “توجد حاليا معطيات وتطورات فرضت نفسها في العالم والمنطقة، ولا يمكن تجاهلها عند الحديث عن استراتيجية دفاعية، لذلك دعوت إلى لقاء وطني شامل لبحث هذا الأمر إنما بعد بحث الموضوع الأكثر حيوية وخطورة والمتمثل بالوضعين الاقتصادي والمالي، وفي حين تجاوب البعض مع هذه الدعوة، قرر البعض الآخر صم أذنيه”.
العلاقات مع الدول العربية
وإذ نبه رئيس الجمهورية إلى خطورة الخلافات العربية- العربية وتأثيراتها السلبية على كل الدول والشعوب العربية، فإنه أعرب عن “التزام لبنان بموقف التضامن والوحدة بين الدول العربية”، مؤكدا “حرص لبنان على إقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص”، وقال: “لبنان بلد عربي، لا بل من صلب الأمة العربية، وهو ركن أساسي في الدعوة الدائمة إلى اللحمة والتضامن والوحدة بين الدول العربية، لإيمانه بأن في ذلك مصلحة لكل هذه الدول، وقد شهدنا جميعا تأثير الانقسام والخلافات العربية وانعكاساتها السلبية على كل الدول الأخرى وشعوبها”.
وأضاف: “لبنان يطمح إلى أفضل العلاقات مع الدول العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص، ولا يمكن لأي غيمة سوداء قد تعتري هذه العلاقات في يوم ما، أن تسود وتستمر، لأن مصيرها الطبيعي أن تنقشع، فلا لبنان يجد نفسه بعيدا عن محيطه العربي ولا العرب بمقدورهم الاستغناء عن لبنان”.
وشدد على أن “لبنان يتنفس من الرئة العربية، ويعتمد على الدول العربية لتكون طريقه الاقتصادي إلى العالم خصوصا مع تواجد العدو الإسرائيلي على حدوده الجنوبية، إضافة إلى طبيعة التفاعل بين الشعب اللبناني والشعوب العربية الأخرى، ما يجعل تعزيز العلاقات بينه وبين هذه الدول ضرورة أساسية لاستقراره على الصعيدين السياسي والاقتصادي، على الرغم من علاقاته الجيدة مع باقي دول العالم التي يتشارك معها قواسم تقوم على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة”.
وثمن الرئيس عون “وقوف دولة قطر الدائم إلى جانب لبنان في المراحل الصعبة التي مر بها، وكانت بدورها ترى فيه الشقيق الذي يقدر ويحفظ لها مواقفها”، مبينا أن “هذه العلاقة توطدت على صعيد القيادات في البلدين والشعبين الشقيقين على مر الزمن”.
ونوه ب”عمق العلاقات القطرية اللبنانية”، لافتا إلى أن “العلاقة بين لبنان وقطر ليست وليدة الساعة، بل هي قديمة وتعكس روابط الأخوة التي تجمع بين البلدين والشعبين”، ومؤكدا “حرص الجانبين اللبناني والقطري على استمرار وتطوير هذه العلاقة نظرا إلى الرغبة المشتركة في المحافظة عليها وصونها”.
الحرب في اوكرانيا
وحول الحرب في أوكرانيا قال رئيس الجمهورية: “إن وزارة الخارجية أدانت هذه الحرب وهو موقف لبناني مبدئي يعكس مدى التزام لبنان بأسس الحوار والتفاهم بعيدا عن السلاح، وهو الذي عانى من تداعيات ونتائج كارثية على الصعيدين الإنساني والاقتصادي والمالي جراء اللجوء إلى السلاح لحل المشاكل”.
وأوضح أن “موقف لبنان حيال الأزمة الروسية- الأوكرانية، ينطلق من ضرورة اعتماد لغة الحوار لحل المشاكل بين الدول والشعوب، لذلك نرى أن مبادئ شرعة حقوق الإنسان ومبادئ الأمم المتحدة ترتكز على الحوار وليس على العنف وأصوات المدافع”.
وأكد أن “لبنان يرتبط بعلاقات صداقة مع كل من روسيا وأوكرانيا، ولذلك يؤلمه مشاهدة اندلاع الحرب بينهما، وقد أبلغ موقفه هذا لكل من البلدين وقد أبديا تفهما لوجهة نظره”، مشددا على أن “لبنان لا يضمر السوء لروسيا ولا لأوكرانيا، ولكن في ظل لغة المدفع بات كل موقف يصدر عن أي طرف يوضع وكأنه ضد أحد البلدين”.
وشدد على أن “لبنان يدعم كل ما من شأنه أن يوقف الحرب الدائرة فورا نظرا إلى الخسائر البشرية والمادية التي تخلفها، كما أنها تتفاقم إلى حد بات يؤثر على العالم بأسره، مع صدور كلام عن إمكان نشوب حرب نووية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية ومصادر الطاقة”.
وجدد رئيس الجمهورية تأكيده على أن “لبنان لا يرغب في التفريط بعلاقاته مع أحد، ولكنه يؤمن بأنه لا بديل عن التفاهمات، وهو يشجع استمرار المفاوضات الدائرة بين البلدين لأنها الطريق الوحيد الذي سيؤدي إلى النتائج المنشودة، ولن تعمل الحرب سوى إرجاء هذا الحل وإلحاق الأسى والخسارة بالجميع”.